سورة الزخرف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


قوله عز وجل: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} أي نصيبًا وبعضًا وهو قولهم: الملائكة بنات الله، ومعنى الجعل- هاهنا- الحكم بالشيء والقول، كما تقول: جعلت زيدًا أفضل الناس، أي وصفته وحكمت به، {إِنَّ الإنْسَانَ} يعني الكافر، {لَكَفُورٌ} جحود لنعم الله، {مُبِينٌ} ظاهر الكفران.
{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} هذا استفهام توبيخ وإنكار، يقول: اتخذ ربكم لنفسه البنات، {وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ}؟ كقوله: {فأصفاكم ربكم بالبنين} [الإسراء- 40].
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا} بما جعل لله شبهًا، وذلك أن ولد كل شيء يشبهه، يعني إذا بشر أحدهم بالبنات كما ذكر في سورة النحل: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم} [النحل- 58] من الحزن والغيظ.
{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ} قرأ حمزة والكسائي وحفص: {ينشأ} بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين، أي يربى، وقرأ الآخرون بفتح الياء وسكون النون وتخفيف الشين، أي ينبت ويكبر، {فِي الْحِلْيَةِ} في الزينة يعني النساء، {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} في المخاصمة غير مبين للحجة من ضعفهن وسفههن، قال قتادة في هذه الآية: قلما تتكلم امرأة فتريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها.
وفي محل {من} ثلاثة أوجه: الرفع على الابتداء، والنصب على الإضمار، مجازه: أو من ينشؤ في الحلية يجعلونه بنات الله، والخفض ردا على قوله: {مما يخلق}، وقوله: {بما ضرب}.


{وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} قرأ أهل الكوفة، وأبو عمرو: {عباد الرحمن} بالباء والألف بعدها ورفع الدال كقوله تعالى: {بل عباد مكرمون} [الأنبياء- 26]، وقرأ الآخرون: {عند الرحمن} بالنون ونصب الدال على الظرف، وتصديقه قوله عز وجل: {إن الذين عند ربك} [الأعراف- 206] الآية، {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} قرأ أهل المدينة على ما لم يسم فاعله، ولين الهمزة الثانية بعد همزة الاستفهام، أي: أحضروا خلقهم، وقرأ الآخرون بفتح الشين أي أحضروا خلقهم حين خلقوا، وهذا كقوله: {أم خلقنا الملائكة إناثًا وهم شاهدون} [الصافات- 150]، {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ} على الملائكة أنهم بنات الله، {وَيُسْأَلُونَ} عنها.
قال الكلبي ومقاتل: لما قالوا هذا القول سألهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما يدريكم أنهم إناث؟» قالوا: سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا، فقال الله تعالى: {ستكتب شهادتهم ويسئلون}، عنها في الآخرة.
{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} يعني الملائكة، قاله قتادة ومقاتل والكلبي، قال مجاهد: يعني الأوثان، وإنما لم يعجل عقوبتنا على عبادتنا إياها لرضاه منا بعبادتها. قال الله تعالى: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} فيما يقولون {إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} ما هم إلا كاذبون في قولهم: إن الله تعالى رضي منا بعبادتها، وقيل: إن هم إلا يخرصون، في قولهم: إن الملائكة إناث وإنهم بنات الله.
{أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ} أي من قبل القرآن بأن يعبدوا غير الله، {فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ}.


{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} على دين وملة، قال مجاهد: على إمام {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} جعلوا أنفسهم باتباع آبائهم مهتدين.
{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا} أغنياؤها ورؤساؤها، {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} بهم.
{قُلْ} قرأ ابن عامر وحفص: {قال} على الخبر، وقرأ الآخرون {قل} على الأمر، {أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ} قرأ أبو جعفر: {جئناكم} على الجمع، والآخرون {جئتكم} على الواحد، {بِأَهْدَى} بدين أصوب، {مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} قال الزجاج: قل لهم يا محمد: أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم وإن جئتكم بأهدى منه؟ فأبوا أن يقبلوا، و{قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}.
{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}.
قوله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ} أي بريء، ولا يثنى البراء ولا يجمع ولا يؤنث لأنه مصدر وضع موضع النعت. {مِمَّا تَعْبُدُونَ}. {إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} خلقني {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} يرشدني لدينه.
{وَجَعَلَهَا} يعني هذه الكلمة، {كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} قال مجاهد وقتادة: يعني كلمة التوحيد، وهي لا إله إلا الله كلمة باقية في عقبه في ذريته. قال قتادة: لا يزال في ذريته من يعبد الله ويوحده. وقال القرظي: يعني: وجعل وصية إبراهيم التي أوصى بها بنيه باقية في نسله وذريته، وهو قوله عز وجل: {ووصى بها إبراهيم بنيه} [البقرة- 132].
وقال ابن زيد: يعني قوله: {أسلمت لرب العالمين} [البقرة- 131]، وقرأ: {هو سماكم المسلمين} [الحج- 78].
{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لعل أهل مكة يتبعون هذا الدين ويرجعون عما هم عليه إلى دين إبراهيم. وقال السدي: لعلهم يتوبون ويرجعون إلى طاعة الله عز وجل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7